مشهد الطفولة

يقول الفيلسوف العدمي إميل سيوران{ أنا مستعد للتخلّي عن كل مشاهد العالم، مقابل مشهد طفولتي} 

لأن مشهد الطفولة، تحرّرك من كل مشاعرك وأحاسيسك التي تشعر بها الآن، سواءً على مستوى الصعيد الشخصي أو الإجتماعي، أو حتى على مستوى المسؤولية الحياتية، وما بِها من التزامات وارتباطات، تبعدك عن المشاهد التي تجعلك هادئًا مُحاطًا حول نفسك، لا تشعر بأي نوع من أنواع المشاعر التي تجعلك منعدم العزيمة والإصرار، التي تداهم الإنسان ما بين كل فترة وفترة. 

والتي تجعل من الإنسان حسّاسًا، ولا إراديًّا في ردة الفعل، والتي تظهر سلوكًا وتصرفًا غير محمودًا. 

حتى على مستوى الأشخاص في هذا العالم، تبقى مشهد الطفولة، من أجمل مشاهد حياته، لأنه يجد فيها تكوينه، وتكوين أفكاره ومشاعره وسلوكياته، وبناء عاداته ومواهبه التي من الممكن أن تبقى معه مدى حياته، هذه الموهبة، التي رعاها منذ الصغر. 

كما أنها تُشكل لك الابتسامة الدائمة، عند الإطلاع عليها وتذكرها، لا شعوريًا تبتسم وتضحك، لأنها خالية من كل ما يحزن الإنسان، إنها الإرادة المنفردة، التي ليست وراها شيءٍ يمنعها من الفعل.

قرأتُ اقتباسًا لا أعرف قائله: سر العبقرية هو أن تحتفظ بروح الطفولة إلى سن الشيخوخة. 

إذْ أن إحياء الطفولة في روحك ووجدانك، لهو عملُ شقيّ وصعب للغاية، وسرُّ من أسرار الأعمال العبقرية، إذْ أن الروح كلما كبرت، تشيخ حينٍ بعد حين، وتكبر في كل يوم، وتقترب من الشيخوخة كل يوم، المحافظة على عفوية البهجة الطفولية وبراءتها، من الأعمال المعقدة والتي تزداد صعوبة في تعقيدها، الروح التي لا تراعيها وتسقيها من عوالم الطفولة، ستشيخ كل يوم وتكبو في كل يوم. 

نحنُ؛ مصدرنا الطفولة المبكرة، المشهد الأول في حياتنا، المشهد الأول في تاريخنا، لا يمكن لنا أن نُغيّر وجهتنا عنها، يجب أن نتبعها بمشاعرها وأفكارها وسلوكياتها، لأنها هي الدلالة التي لا يمكن لنا أن نتيه بعدها، عند المضيء خلفها.

الطفولة هي عالمنا وذاكرتنا، عندما نفقد أنفسنا في هذا العالم الواسع. 

الطفولة هي المسار التي تقودنا إلى الصواب دومًا، الطفولة مشهد العمر، مشهد الحياة، إننا نحن في طفولتنا. 

الطفولة مدخل إلى الماضي، إلى ماضينا الآمن. 

إذْ أننا نسرح به ونسافر به كثيرًا  دون توقف، نزور أمانينا وأحلامنا، فقط في مشهد الطفولة.

الطفولة يجب أن تعود إلى عالمنا، إلى حياتنا، ولو قليلاً لتعيدنا إلينا، فأننا أصبحنا تائهين، نبحث عن ذواتنا ولن نجدها سوى في مسرح الطفولة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بناء العادات

فن التعبير وأداة التواصل

بوصلة الذات