لماذا نكتب ؟ بين البوح والمعنى
إن بعد ممارسة الكتابة ستكتشف أنها ليست مجرد حروف تصطف على الورق، بل إنها امتدادًا للذات، والبحث عن معنى وإيجاد فكرة تطمئنك بهذا الوجود.
إنها صرخة ناعمة في وجه العدم، محاولة بائسة أحيانًا ومتمردة أحيانًا أخرى لفهم العالم أو على الأقل لإعادة تشكيله بما يتناسب مع فوضى أرواحنا.
بفكرةٍ أخرى ربما نكتب لأن الحياة لا تمنحنا فرصة كافية للبوح، أو لأن الأفكار تتكدس في عقولنا كما تتكدس الغبار على الكتب المنسية، نحتاج أن ننفضها، أن نراها تتجسّد أمامنا كي نفهمها، وربما كي نتحرر منها.
هناك من يكتب هربًا، كأن الحروف سفينة نجاة من واقع ثقيل، وهناك من يكتب ليقاوم، ليقول للعالم: “أنا هنا، لن تمروا فوقي بصمت”. الكتابة بهذا المعنى ليست مجرد تعبير، بل فعل تمرُّد، محاولة لترتيب الفوضى التي نحملها في دواخلنا، أو الفوضى التي يفرضها الواقع علينا. كثيرًا ما نجد أنفسنا نكتب دون أن ندرك السبب الحقيقي، كأن اللاوعي يدفعنا لسكب ما لا نستطيع قوله علنًا، وكأن الكتابة تمنحنا الفرصة لنعيش اللحظة مرتين، مرة حين تحدث، ومرة حين نعيد خلقها على الورق.
الكتابة أيضًا شكل من أشكال الخلود، حين نكتب، فإننا نترك أثرًا، نترك نسخة من أفكارنا قد تعيش بعدنا بزمن، قد يقرأها شخص ما بعد عقود، وربما يجد فيها صوته الذي لم يكن قادرًا على التعبير عنه. لهذا كان الأدب العظيم خالدًا، لأنه يتجاوز حدود زمنه ويتحدث للإنسان في أي عصر كان، وما أن يكون عليه.
نكتب لأن الكلمات تمنحنا هوية، لأن العالم دون تعبير يصبح أكثر وحشة، لأننا حين نكتب، حتى وإن لم نصل إلى إجابات، نكون على الأقل قد نجحنا في صياغة الأسئلة بشكل أجمل.
تعليقات
إرسال تعليق