المشاركات

عرض المشاركات من يونيو, 2025

أين تسكن السعادة؟

في زحمة الحياة اليومية التي نعيشها وتقلّب أحوالها، كثيرًا ما تتردّد على ألسنة الناس عبارات كثيرة نسمعها : “السعادة في المال”، أو “الصحة هي السعادة”، وربما يقول آخر: “يكفيني راحة البال، فهي السعادة الحقيقية”. لكن حين نتأمل بعمق، سنجد أن السعادة ليست حكرًا على شيء من هذه الأمور، كما أنها ليست وعدًا لهذه الدنيا أصلًا، لأنك حين تمتلك أحد تلك الأشياء ستجد أنك فاقد أشياء أخرى كثيرة، فيصيبك الإحباط حينها.  الحياة كما وصفها المفكّر الراحل علي الهويريني تبدأ ببكائك، وتنتهي بالبكاء عليك. عبارة موجزة لكنها تختصر فلسفة الوجود الدنيوي بكامله. إنها ليست دار بقاء، ولا مقرّ سعادة خالدة، بل مجرّد معبر، واختبار، ومحطة قصيرة في الطريق الطويل إلى الخلود. لا خلاف على أن المال مهم، فهو وسيلة لا غنى عنها في تحقيق متطلبات العيش الكريم، لكن الخطأ الشائع هو الظن بأن المال هو الرزق الوحيد، في حين أن أبواب الرزق أوسع من أن تُختزل في الأرقام والأرصدة، أو في بابًا واحدًا تظن أنه هو السعادة كلها.  فالصحة رزق، وراحة البال رزق، ووجود الوالدين رزق، والزوجة الصالحة رزق، وصلاح الأبناء رزق، وكل لحظة طمأنينة تعيشه...

هل تُشفينا الكتابة؟

ثمّة لحظات في حياتنا، وحتى في يومنا فق المشاهد البسيطة العاديّة التي لا تشكل أهميةً وعبئًا في حياتنا،  تمرّ بنا تلك اللحظات يُعجزنا فيها الحديث، وتضيق بنا المسالك، فلا نجد ملاذًا سوى الورقة والقلم.  وكأن هذه مهربٌ لنا من ضحيج الحياة، أو كأنها معالج نفسي ينصت إلينا ويستمع لنا، وكأنها يحاول أن يعالج تلك الشوائب في حياتنا، حيث أن الكتابة هي تلك المساحة البيضاء التي تستوعب اضطراباتنا وتعالجها دون أن تُبدي دهشة، أو تُصدر حكمًا، أو تطلب تفسيرًا. نكتب حين نعجز عن البوح، ونُفرغ ما تراكم في صدورنا خشية أن يفيض ويغرقنا. ولكن، هل تملك الكتابة قدرة حقيقية على التخفيف؟ هل تُشفينا حقًا؟ هل لها القدرة بأن تعالجنا من الاضطرابات أو الأفكار الخاطئة التي تعيش بنا؟  لست ممن يملكون يقينًا في مثل هذا السؤال بطبيعة أن لكل إنسان لديه القدرة على العلاج من خلال أو عكس ذلك ممّن ليس لديهم القدرة في مواجهة ذلك من خلال الكتابة. غير أنني أدرك، بتجربة شخصية ومتكررة، أن الكتابة تمثّل لي فعلًا استثنائيًا يُقارب الترياق. إنّها ليست ترفًا لغويًا، ولا عادة ثقافية فحسب، بل طوق نجاة نلجأ إليه كلّما شعرنا بأن ا...

الذين لا يكتبون وقلوبهم لا تصمت

ليست كل الحكايات والروايات والمشاعر التي تسكن بنا، والأحاديث الطويلة التي نحاكي بها أنفسنا تجد طريقها إلى الورق، هناك أناس يمرّون في الحياة بقلوب ممتلئة، عقولهم تغلي بالأفكار، وأطراف أرواحهم مشتعلة بالحروف، لكنهم لا يكتبون. ليس لأنهم لا يعرفون كيف يكتبون، أو كيف ينثرون ما بداخلهم على الورق، بل لأنهم اعتادوا الصمت حتى ظنّوه لغة. ولعلّ أعجبَ القلوب، تلك التي تحمل داخلها مكتبةً من العواطف المؤجلة، ونصوصًا لم تُكتب، وحوارات داخلية لا تنتهي، ثم تمضي في الحياة كأن شيئًا لم يكن. أعرف أولئك الناس أراهم في المقاهي، عند زوايا الانتظار، خلف النوافذ، وفي الطرقات، يحملون على وجوههم هدوءًا مربكًا، لكن لو أصغيت لقلوبهم، لسمعت أصواتًا تتداخل كمدينة في ساعة الذروة. هؤلاء لا يكتبون، ليس لأنهم لا يستطيعون، بل لأن الكتابة عندهم ليست هواية، ولا حتى احترافًا. هي خوف. خوف من أن يُصبح الكلام اعترافًا، ومن أن يُصبح النصّ قيدًا، ومن أن يتحوّل الحرف إلى مرآةٍ تكشف ما يُراد ستره. الذين لا يكتبون يعرفون جيّدًا كيف تُوجعهم التفاصيل الصغيرة رائحة عطرٍ يمرّ بهم وتعيدهم سنواتٍ للوراء، رسالة قديمة محذوفة لكنها لم تُنسَ...

التأمل في الزمن

لم يكن الزمن يومًا كما تخيلناه في طفولتنا؛ لم يكن خطًّا مستقيمًا يمتدّ من ماضٍ نعرفه إلى مستقبل ننتظره. بل هو أسلوبًا وحكايةً غامضة، نعيش بها ولا نعرف مدى معرفتها، ومدى غايتها.  الزمن هو نهرٌ خفيّ، لا نراه، لكننا نشعر بجريانه داخلنا. يمرّ بنا، ويترك فينا علاماتٍ لا تُرى، ويغيّر ملامحنا بصمتٍ لا يُسمع. حين كنّا صغارًا، كُنّا نعدّ الأيام على أصابعنا، ننتظر الغد بشغف، ونكتب له سيناريو خاصًّا به لنقوم بتنفيذه، ونعيش في حكايته، ونشعر بجماله، هكذا كنا نكتب الزمن القادم إلينا، حيث كن نحسب العطلات والأعياد كأنها جوائز معلّقة في الأفق، كان الزمن واسعًا، والأيام طويلة، والساعات لا تنقضي إلا ببطءٍ يشبه الأبد. كأن الطفولة تمنح الأيام جناحين من هواء، لا من لهاث. لكننا كبرنا، والأحداث كثيرةً من حولنا، وبدأ الزمن يتبدّل في أعيننا، صارت السنوات تمرّ وكأنها لحظات، وصار الماضي قريبًا، حتى ليخيل إلينا أنه حدث بالأمس. نلتفت خلفنا فنجد العمر قد عبر بنا بخفة، دون أن يستأذن، ودون أن نشعر أننا كنّا في المنتصف. الزمن لا يُقاس بالتقويمات ولا الأرقام، بل بالتجارب والعيش فيها، والأخذ بها من إدراكًا للحياة ومع...