هل تُشفينا الكتابة؟
ثمّة لحظات في حياتنا، وحتى في يومنا فق المشاهد البسيطة العاديّة التي لا تشكل أهميةً وعبئًا في حياتنا، تمرّ بنا تلك اللحظات يُعجزنا فيها الحديث، وتضيق بنا المسالك، فلا نجد ملاذًا سوى الورقة والقلم.
وكأن هذه مهربٌ لنا من ضحيج الحياة، أو كأنها معالج نفسي ينصت إلينا ويستمع لنا، وكأنها يحاول أن يعالج تلك الشوائب في حياتنا، حيث أن الكتابة هي تلك المساحة البيضاء التي تستوعب اضطراباتنا وتعالجها دون أن تُبدي دهشة، أو تُصدر حكمًا، أو تطلب تفسيرًا. نكتب حين نعجز عن البوح، ونُفرغ ما تراكم في صدورنا خشية أن يفيض ويغرقنا. ولكن، هل تملك الكتابة قدرة حقيقية على التخفيف؟ هل تُشفينا حقًا؟ هل لها القدرة بأن تعالجنا من الاضطرابات أو الأفكار الخاطئة التي تعيش بنا؟
لست ممن يملكون يقينًا في مثل هذا السؤال بطبيعة أن لكل إنسان لديه القدرة على العلاج من خلال أو عكس ذلك ممّن ليس لديهم القدرة في مواجهة ذلك من خلال الكتابة.
غير أنني أدرك، بتجربة شخصية ومتكررة، أن الكتابة تمثّل لي فعلًا استثنائيًا يُقارب الترياق. إنّها ليست ترفًا لغويًا، ولا عادة ثقافية فحسب، بل طوق نجاة نلجأ إليه كلّما شعرنا بأن الداخل يختنق، وكلما شعرنا أن لا بد من الكتابة والبوح والحديث مع ذاتك.
إن الحديث مع الذات، يُشابه أهمية الأكل والشرب والنوم في يومنا وحياتنا، فهي دعوة للتخلّص من الأفكار غير المهمة والتي تضيف لك ثقلاً بغير فائدة مرجوة.
في الكتابة، نتخلّص من الزوائد المؤلمة، نعيد ترتيب دواخلنا، ونعيد تعريف مشاعرنا التي غالبًا ما تختلط في زحمة الحياة.
ما تفعله الكتابة بنا يشبه الجلوس أمام مرآة داخلية، نواجه فيها ذواتنا كما هي: بلا أقنعة، بلا تزييف، بلا صوت خارجي يوجّهنا أو يقاطعنا، بلا نظرةً إلينا لا تشبهنا، نكتب فنُشاهد أفكارنا تتجسّد أمامنا، ونكتشف ما كنّا نجهله عن أنفسنا. ولعلّ أصدق النصوص هي تلك التي كُتبت بدافع الحاجة لا بدافع النشر؛ النصوص التي وُلدت من رحم الألم أو القلق أو الحنين، لا تلك التي صيغت لترضى عنها العيون.
الكتابة لا تغيّر الواقع بالضرورة، لكنها تمنحنا فهمًا أعمق له، وتُخفف من وطأته علينا. هي وسيلة لفهم ما نشعر به، لتفكيك ما يثقلنا، ولإعادة التوازن حين نختلّ. ولأنّ الوجع حين يُقال يخف، فإن الكلمات تصبح أدويتنا الخاصة، التي نصنعها بأنفسنا، ونأخذها دون وصفة.
وقد لا تكون الكتابة علاجًا نهائيًا، لكنها - في أقلّ تقدير - مسكّن نبيل، يعيننا على مواصلة الطريق بأقلّ قدر من الألم.
تعليقات
إرسال تعليق