شعراء قتلهم شعرهم
الشعر؛ لم يكن شيئًا عاديًّا، إنها نافذة لرؤية العالم من جانب عاطفي، الجانب الأكثر قوة، لنيل كل شيء. لفهم كل شيء.
إنها نافذة لرؤية العالم بوضوح، من جانب الأقل حضورًا في سبيل الفهم، والأكثر براعة. والأكثر، وضوحاً.
إن الشعر ذو نافذة ثقافيّة، أكثر لباقة في كتابته وإلقاءه.
وفي هذه التدوينة؛ سنُفصّل هذه القضية إلى ثلاثة فصول: (1) الشعراء المقتولون (2) الشعراء المُعاقبون (3) الشعراء المحرّضون على القتل أو العقاب.
الشعراء المقتولون:
ما ظنّك برجل شاعر آذى الله ورسوله، وسعى في الأرض ليفسد فيها.. هل ترى له مصيرًا غير القتل؟
إنه شاعرٌ بلغت به الجرأة وعمى القلب والبصر أنْ حرّض على النبي -صلى الله عليه وسلم-
ونفث سمّة في صدور كليمةٍ أعماها الضلال بعد غزوة بدر لتطلب الثأر لقتلاها.
وليته توقف عند ذلك الحد، بل تابع مسيرته الشيطانية، فجعل يلوك بشعره أعراض المسلمين، ويشبَّب بنسائهم، ويتعرّض به للنبي- صلى الله عليه وسلم-
فما كان من النبي الكريم الذ لم ينتصر لنفسه، بل كان كل همّه وحدة الصف الإسلامي، والحفاظ على كرامة المسلمين؛ أنْ أرسل سريةً إلى ذلك الفاجر العقرب المفسد ليقطع به دابر الشيطان.
إنه كعب بن الأشرف الطائي، أصاب أبوه دمًا في الجاهلية، فأتى المدينة، وحالف بني النضير، فشرُف فيهم، وتزوج عقيلة، بنت أبي الحقيق، فولدت كعبًا.
ونشأ كعب في يهود بني النضير، وتبع دينهم، وتشرّب الخبث والبغض للدين الإسلامي.
في محاولته لقتل النبي- صلى الله عليه وسلم- بدعوته إلى الطعام، ثم إلقاء حجر عليه من أعلى البيت؛ ولكنَّ جبريل أمين وحي السماء أعلمه بالمؤامرة، فأُحبطت.
قصة مقتله على يد الأنصار:
لما أصيب أصحاب بدر من المشركين، وكان النصر حليف نبيّ المسلمين، قدم زيد بن حارثة إلى أهل السّافلة، وعبد الله بن رواحة إلى أهل العالية بشيرين بعثهما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى منْ بالمدينة من المسلمين بفتح الله عزوجل عليه، وقتل من قُتل من المشركين.
فلمّا بلغ كعب بن الأشرف فقال؛ أحقُّ هذا؟ أترون محمدًا قتل هؤلاء الذين يسمون هذان الرجلان- يعني زيدًا وعبد الله بن رواحة- فهؤلاء أشراف العرب، وملوك الناس، والله لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطْنُ الأرض خيرُ من ظهرها.
فلمّا تيقن الخبر خرج حتى قدِمَ مكة، ساعيًا في إلهاب مشاعر، الثأر، فنزلَ على المطلب بن أبي وداعة السهمي، وعنده عاتكة بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس، فأنزلته وأكرمته.
وجعل يُحرّض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وينشدُ الأشعار، ويبكي أصحاب القليب من قريش، الذي أصيبوا ببدر، فقال؛
طَحَنَتْ رَحَى بَدْرٍ لِمَهْلِكِ أَهْلِهِ وَلِمِثْلِ بَدْرٍ تَسْتَهِلُّ وَتَدْمَعُ
قُتِلَتْ سَرَاةُ النَّاسِ حَوْلَ حِيَاضِهِمْ لَا تَبْعَدُوا إنَّ الْمُلُوكَ تُصَرَّعُ..
ثم شبَّب بنساء من نساء المسلمين حتى آذاهم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله.
فقام محمد بن سلمة فقال: يا رسول الله أتحب أن أقتله؟
قال: افعل إن قدرت على ذلك
فرجع محمد بن مسلمة فمكث ثلاثًا لا يأكل ولا يشرب إلا ما يُعلق به نفسه، فذُكر ذلك لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فدعاه، فقال له: لِمَ تركت الطعام والشراب؟
فقال: يا رسول الله قلت لك قولاً لا أدري هل أفين به أم لا؟
فقال: إنما عليك الجهد
فقال: يا رسول الله إنه لا بد لنا من أن نقول
قال: قولوا ما بدا لكم، فأنتم في حِل من ذلك.
فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة، وسلكان بن سلامة، وكان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة، وعددًا من الصحابة.
فأتاهُ محمد بن مسلمة فقال: إن هذا الرجل- يعني النبي - صلى الله عليه وسلم- قد سألنا صدقةً، وإنه قد عنّانا، وإني قد أتيتُك أستسلفُك.
قال كعب: وأيضًا والله لتملُّنّه
قال مسلمة: إنا قد اتبعناه، فلا نحب أن ندعه، حتى ننظر إلى أي شيءٍ يصير شأنه، وقد أردنا أن تُسْلفنا طعامًا.
فقال: نعم، ارهنوني
قالوا: أي شيء تريد؟
قال: ارهنوني نساءكم
قالوا: كيف نرهنك نساءنا، وأنت أجمل العرب؟ وإنما قالوا هذا لتعجبه نفسه، ويُضرب على هذا الطلب
قال: ارهنوني أبناءكم
قالوا: كيف نرهنك أبناءنا فيسبُّ أحدهم فيُقال رُهن بوسقٍ أو سقين. هذا عار علينا، ولكنا نرهنك السلاح.
فخرج من عنده على ميعاد، فأتى أصحابه أخبرهم، فأجمعوا أمرهم على أن يأتوه إذا أمسى، ثم أتوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبروه، فمشى معهم حتى أتى البقيع، ثم وجَّههم، وقال: امضوا على بركة الله وعونه.
فمضوا حتى انتهوا إلى حصنه، ودخل كعب بن الأشرف مع مسلمة وأبي نائلة وعددًا من الصحابة، فقال أحد الصحابة: إذا ما جاء فإني قائلُ بشعرهِ فأشمُّه، فاذا رأيتموني استمكنتْ من رأسه فدونكم فأضربوه.
فنزلَ عليهم كعب متوحشًا وهو ينفحُ منه ريح الطيب، فقال أحد الصحابة، ما رأيتُ كاليوم ريحًا أطيب!
فقال كعب وقد أعجبته نفسه: عندي أعطرُ نساء العرب، وأكمل العرب
قال: أتأذن لي أن أشم رأسك
قال: نعم، فشمُّه، ثم أشمَّ أصحابه، ثم قال، أتأذن لي ثانيةً. قال نعم
فلمّا استمكن منه قال لأصحابه: اضربوا عدو الله فضربوه
فاختلفت عليه أسيافهم، فلم تُغنِ شيئًا.
قال محمد بن مسلمة:
فذكرتُ مغولاً في سيفي، حين رأيت أسيافنا لا تُغني شيئًا؛ فأخذته وقد صاح عدو الله صيحة لم يبقَ حولنا حصنُ إلا وقد أُوقدت عليه نارُ، فوضعته في ثُنّته، ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانتهُ؛ فوقع عدو الله.
الشعراء المُعاقبون:
هو ضابئ بن الحارث بن أرطاة، من بني غالب بن حنظلة التميمي، أدركَ الإسلام فأسلم. وكان شاعرًا هجّاءً بذيء اللسان، وقد أوقعهُ لسانه في الحبس فلبث فيه حتى مات في خلافة عثمان بن عفان- رضي الله عنه.
قصته مع عثمان- رضي الله عنه-
كان ضابئ شاعرًا بذيئًا، وكان يَقنصُ الوحش، فاستعار من بعض بني جرول بن نهشل كلبًا اسمه قرحان، وكان يصيد به البقر والظباء والضباع فطال مُكثه عنده، فطلبوه فامتنعَ، فركبوا يطلبون كلبهم، فقال لا مرأته: اخلطي لهم في قدرك من لحوم البقر والظّباء والضّباع، فإن عافوا بعضًا، وأكلوا بعضاً، تركُوا كلبك لك. وإن هم لم يُفرَّقوا فلا كلب لك.
فلما أطمهم أكلوه، ثم اخذوا كلبهم، فغضب ضابئ، ورمى أمهم بالكلب.
فلمّا بلغهم الشعر، وأنه رمى أمهم بالكلب، استعدوا عليه عثمان بن عفان- رضي الله عنه- وكان يحبسُ على الهجاء، فأرسل إليه فأنشده الشعرَ، فقال له عثمان: ما أعرفُ في العرب أفحش، ولا الأم منكَ؛ فإني ما رأيت أحدًا رمى أحدًا بكلي غيرك، وإني لأظنُّك لو كنت بزمن النبي - صلى الله عليه وسلم- لنزلَ فيكَ وحيُ.
فحبسه بالسجن، فقال فيه:
مَن يَكُ أَمسى بِالمَدينَةِ رَحلُهُ فَإِنّي وَقَيّارٌ بِها لَغَريبُ
وَما عاجِلاتُ الطَيرِ تُدني مِنَ الفَتى رَشاداً وَلا عَن رَيثِهِنَّ يَخيبُ
وَرُبَّ أُمورٍ لا تَضيرُكَ ضَيرَةً وَلِلقَلبِ مِن مَخشاتِهِنَّ وَجيبُ
عَلى نائِباتِ الدَهرِ حينَ تَنوبُ وَفي الشَكِّ تَفريطٌ وَفي الحَزمِ قَوَّةٌ وَيُخطِئُ في الحَدسِ الفَتى وَيُصيبُ..
فلما سمعها عثمان رقَّ له وأخرجه من السجن، وعرضه مع بقية السجناء، فخرج ضابئ وقد شَّ سكينًا على ساقه يريد أن يفتِك بعثمان- رضي الله عنه- ففطن له، فأُخذ وضرب بالسياط، ثم أُمر به فحبس ثانيةً، وفي ذلك يقول:
مَنْ قافِلُ أدنى الإله ركابَهُ يُبلَّغ عني الشَّعر إذْ مات قائِلُهْ
وقائلةٍ إن مات في السجنِ ضابئ لنعمَ الفتى نخلو بهِ ونواصلُهْ...
ولم يزلْ في الحبس حتى أصابته الدُّبيلة، فأنتن فمات في الحبس.
وكأن الله سبحانه قد جعل نهايته بمرضٍ يشبه حقيقة حاله؛ فنتن جوفه كما نَتن شعره؛ الخارج من جوفه. وصدقت العرب بقولها: إن العفو يُفسد اللئيم بقدر إصلاحه من الكريم، وقد قال الشاعر:
والعَفو عندَ لبيبِ القومِ موعِظةٌ وبعضهُ لسَفيهِ القومِ تدريبُ..
الشعراء المحرّضون على القتل أو العقاب:
إنه لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب بن عامر بن صعصعة. كان يُقال لأبيه: ربيعُ المقترين؛ لجوده وسخائه. وقد قتلته بنو أسد في الحرب التي كانن بينهم وبين قومه بني عامر.
قال الشعر في صغره، إلا أنه كان ينهى عن نشره وإظهاره، لأنه فيما يبدو لم يقتنع بما جاء به. حتى قال المعلّقة الميمية فطار صيته، وأظهر شعره، ومطلعها:
عَفَتِ الدِيارُ مَحَلُّها فَمُقامُها بِمَنىً تَأَبَّدَ غَولُها فَرِجامُها
وأدرك لبيد الإسلام فأسلمَ، بعد أن عاش نحو مئة سنة في الجاهلة. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- يقول: أصدق كَلِمة قالها شاعر كلمة لَبيد: ألا كلُّ شيء ما خلا الله باطل.
وانصرف لبيد في أواخر حياته عن الشعر إلى تلاوة القران، مما جعل أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه- يزيد في عطائه.
وتوفي لبيد في الكوفة عام الجماعة سنة٤١هـ، وقيل غير ذلك. وكان من المعمَّرين، حيث عاش نحو مئة وأربعين سنة.
وقد كان قوي الشعر، حاضر البديهة، فارسًا مقدامًا.
قصته مع الربيع بن زياد والنعمان بن المنذر:
وفد أبو براء عامر بن مالك ملاعب الأسنة في رهطٍ من بني جعفر، ومعه لبيد بن ربيعة ومالك بن جعفر وعامر بن مالك عمّ لبيد، على النعمان أول ما ملك، لأجل أُسارى لبني عامر يشترونهم منه، فوجدوا عنده عمارة وآنسًا وقيسًا والربيع بني زياد، وأمه فاطمة بنت الخرشب الأنمارية.
وكان الربيع نديمًا للنعمان، مع رجل من تجار الشام يقال له: سرجون بن توفيل، وكان حريفًا للنعمان يبايعه، وكان أديبًا حسن الحديث والندام؛ فاستخفه النعمان، وكان إذا أراد أن يخلو عن شرابه بعث إليه وإلى النطاسي- متطبب كان له- وإلى الربيع بن زياد فخلا بهم. وكان الربيع قد تقدّم من سواه بتلك المنادمة، حتى دُعي بالكامل؛ لشطاطه وبياضه وكماله.
فلما قدِمَ أبو براء ضرب له النعمان قبةً، وأجرى عليه وعلى منْ كان معه النزل، فكانوا يحضرون النعمان لحاجتهم، فافتخروا يومًا بحضرته، فكاد العبسيون يغلبون العامريين، وكان الربيع إذا خلا بالنعمان طعن فيهم، وذكرَ معايبهم، ففعل ذلك مرارًا لعداوته لبني جعفر، لأنهم أسروه، فصدَّ النعمان عنهم، حتى نزع القبّة عن أبي براء، وقطع النزل.
ودخلوا عليه يومًا، فرأو منه جفاء، وقد كان يكرمهم ويقرّبهم، فخرجوا غضابًا وهمُّوا بالانصراف، ولبيد متخلف في رحالهم، يحفظُ متاعهم، ويغدو بإبلهم كل صباح يرعاها. فأتاهم ذات ليلة وهم يتذاكرون أمر الربيع، فسألهم عنه فكتموه، فقال: والله لا حفظتُ لكم متاعًا، ولا سرحتُ لكم بَعيرا؛ أو تخبروني فيمَ أنتم؟
وإنما كتموه لمكان أم لبيد؛ إذا كانت عبسيةً نشأت في حجر الربيع، فخشوا أن يرعى جانب أخواله، لذز قالوا له: خالُك قد غلبنا على الملك، وصدَّ عنه وجههُ.
فقال لهم: فما يمنعُكم من معارضته
قالوا: لحسنِ منزلته عند النعمان
فقال لبيد: هل تقدرون على أن تجمعوا بيني وبينه، فأرجزه عنكم بقولٍ ممض، ثم لا يلتفت إليه النعمان أبدًا
فقالوا وهل عندك ذلك شيء؟
قال: نعم، قالوا: فإنا نبلوك
قال: وما ذلك؟ قالوا: تشتمُ هذه البقةَ- وقدّامهم بقلة دقيقةُ القضبان، قليلةُ الورق، لاصقةُ بالأرض، تُدعى التربة.
فاقتلعها من الأرض وقال: هذه التربة التفلة الرذلة، التي لا تذكي نارًا، ولا تؤهل دارًا، ولا تستر جارًا. عودها ضئيل، وفرعها ذليل، وخيرها قليل. أقبح البقول مرعى، وأقصرها فرعا، وأشدهما قلعا. بلدُها شاسع، وآكلُها جائع، والمقيم عليها قانع.. فحربًا لجارها، وجدعاً. القوا بي أخا عبسٍ، أردّه عنكم بتعسٍ، وأتركه من أمره في لبسٍ.
قالوا: نصبح ونرى فيك رأينا
فقال عامر: انظروا إلى غلامكم هذا- يعني لبيدًا- فإن رأيتموه نائمًا فليس أمره بشيء؛ إنما هو يتكلم بما جاء على لسانه، وإن رأيتموه ساهرًا فهو صاحبه.
فرمقوه فوجدوه وقد ركب رحلاً وهو يكدم وسطه، حتى أصبحَ. فقالوا أنتَ- والله- صاحبهُ.
فعمدوا إليه، فحلقوا رأسه، وتركوا له ذؤابتين، وألبسوه حلةً. ثم غدا معهم، وأدخلوه على النعمان، فوجدوه يتغدّى ومعه الربيع بن زياد، وهما يأكلان لا ثالث لهما، والدار والمجالس مملوءةً من الوفود. فلما فرغ الغداء أَذِنَ للجعفريين فدخلوا عليه، والربيع إلى جانبه، فذكروا الذي قدِمُوا له من حاجتهم، فاعترض الربيع بن زياد في كلامهم فقام لبيد وقد دهنَ أحد شِقَّي رأسه، وأرخى إزاره، وانتعل نعلاً واحدًا، وكذلك كانت الشعراء تفعل في الجاهلية إذا أرادت الهجاء فقال للنعمان: أبيتَ اللعن! إنْ رأيت أنْ تأذن لي في الكلام. فإذن له، فأنشدْ:
يا رُبَّ هَيجا هِيَ خَيرٌ مِن دَعَه نَحنُ بَنو أُمِّ البَنينَ الأربعة
وَنَحنُ خَيرُ عامِرِ بنِ صعصعة المُطعِمونَ الجَفنَةَ المُدَعدَعَه
وَالضارِبونَ الهامَ تَحتَ الخَيضَعَه يا واهِبَ المالِ الجَزيلِ مِن سَعَه
سُيوفُ حَقٍّ وَجِفانٌ مُترَعَه إِلَيكَ جاوَزنا بِلاداً مُسبِعَه
إِذِ الفَلاةُ أَوحَشَت في المَعمَعَه يُخبِركَ عَن هَذا خَبيرٌ فَاِسمَعَه..
فرفع النعمان يده من الطعام، ونظر شزرًا إلى الربيع وقال: كذلك أنت؟
قال: لقد كذبَ عليّ ابن الحمق اللئيم
فقال النعمان: أُفٍّ لهذا الغلام، لقد خبَّث على طعامي.
فعلم الربيع أنَّ اتهام لبيد قد تمكّن في نفس النعمان، فكتب إليه: إني قد عرفتُ أنّهُ قد وقع في صدرك ما قال لبيد، وإني لست بارحًا حتى تبعثَ إليّ من يجردني فيعلم من حضرك من الناس أني لست كما قال لبيد.
فأرسل إليه: إنكَ لست صانعًا بانتفائك مما قال لبيد شيئًا، ولا قادرًا على ردّ ما زلّت به الألسن، فالحقْ بأهلك.
فلحق بأهله، ثم أرسل إلى النعمان يقول:
لَئِن رَحَلت جملي إِنَّ لي سَعَةً ما مِثلُها سَعَةٌ عَرضاً وَلا طولا
بِحَيثُ لَو وُزِنَت لَحمٌ بِأَجمَعِها لَم يَعدِلوا ريشَةً مِن ريشِ سمويلا...
فأجابه النعمان بقوله:
شرّد برحلك عنّي حيث شئت ولا تكثر عليّ ودع عنك الأباطيلا
فقد ذكرت بشيء لست ناسيه ما جاورت مصر أهل الشّام والنّيلا...
وهكذا، استطاعت أبيات لبيد أن تزرع الفرقة بين الربيع والنعمان، لا سيما وأن العرب تتطيّر من البرص، فهزف مهجيته على هذا النغم، فأنتصر لقومه، وفرّق وساد.
وقد كان هذ الموقف الذي وقفه لبيد بن نصرةً لقومه، ميلادًا لشاعر جهبذ فخرت به بنو عامر؛ وعلا فيها نجمه، وازداد فيها قدرًا على قدرِ.
المصادر:
شعراء قتلهم شعرهم- عادل أنور خضر
ابدعت ياصديقي ❤️.
ردحذف