سورة مريم بين الفهم والتدبر

 سورة مريم، وهي السورة التاسعة عشر في القرآن الكريم، رحلة إيمانية ثرية، مليئة بقصص الأنبياء ودحض الشبهات، وتُجسّد عظمة الإيمان ووحدانية الله تعالى.

تتميز السورة بأسلوبها العاطفي المؤثر، المُحفّز للمشاعر، والداعي إلى الخير والفضيلة.

تُعدّ سورة مريم من سور القرآن الكريم التي تُلامس القلوب وتُنعش الروح بذكر رحمة الله تعالى وعطفه على عباده المؤمنين. وتُجسّد هذه السورة بوضوح كيف يُقلب الله تعالى الأحزان إلى أفراح، والابتلاءات إلى رفعة في الدرجات، رحمةً منه بعباده واختبارًا لإيمانهم وصبرهم.

وتُعلّمنا السورة دروسًا هامّة عن الصبر والثقة بالله، وأن الابتلاءات رحمةٌ من الله لا عقوبة، وأن رحمة الله واسعةٌ لا حدود لها.

تركيز على الرحمة: تُكرّر السورة لفظ "الرحمة" ومعناها، ممّا يُضفي عليها جوًّا من المحبة والسكينة.

مواجهة الشرك: تُواجه السورة شبهات المشركين بحجج قوية ودلائل دامغة، مُدحضةً مزاعمهم.

حيث تُعدّ سورة مريم بمثابة لوحة إيمانية غنية، تُجسّد عظمة الإيمان ووحدانية الله تعالى، وتُقدّم دروسًا وعِبَرًا هادفةً للمؤمنين. 


حزن مريم وخوفها: 

تُسلّط السورة الضوء على حادثة مؤلمة مرت بها السيدة مريم عليها السلام، وهي حزنها على ابنها عيسى عليه السلام وخوفها عليه من بطش قومه. تروي السورة قصة مريم عندما ابتعدت عن أهلها وانفردت في مكانٍ بعيدٍ لتلد ابنها يحيى. وعندما أصابها المخاض، شعرت بالوحدة والخوف، وقالت: "يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا" 


 فرج الله وبشارة مريم: 

لم تترك الله تعالى مريم في أحزانها، بل أرسل لها ملاكًا يبشرها بولادة ابنٍ مباركٍ اسمه عيسى.

وتُظهر الآيات كيف أن الله تعالى يُخفّف عن عباده ويُزيل همومهم، ففي قوله تعالى: "فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا" دلالة واضحة على رحمة الله وعطفه وحنانه على عباده.


مريم وعيسى عليهم السلام: 

تُكمل السورة قصة مريم عندما أتت بقومها حاملةً ابنها عيسى، وشهدوا معجزة هزّها جذع النخلة فسقط عليها رطبًا جنيًا. وعندما سألوها عن هذا الأمر، أشارت مريم إلى ابنها، فحدثهم عيسى وهو في المهد بكلامٍ فصيحٍ مبينٍ، مُعلنًا عن نبوته ورسالته.


تدبرات إيمانية من آيات السورة: 

افتتاحية رحيمة: تبدأ السورة بذكر "رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا" ، مُضفيةً جوًّا من الرحمة والسكينة يُهيئ القارئ للتدبّر في آياتها.

قصة زكريا ويحيى: تُبرز قصة زكريا ودعائه المؤثّر لله تعالى بأن يهب له وَلِيًّا يرثه، واستجابة الله تعالى له، بشارة بميلاد يحيى النبي. 

معجزة مريم وعيسى: تُسَرَد قصة مريم العذراء باختصار، بدءًا بانعزالها عن قومها ومجيء جبريل إليها، وبشارة حملها بعيسى عليه السلام، وميلاده دون أب بشري. 

دحض شبهات المشركين: تُكرس السورة مساحةً لدحض شبهات المشركين حول البعث والنشور، ونفي صفة الولد عن الله تعالى، مُؤكدةً على وحدانيته وقدرته.

قصص الأنبياء: تُلمِح السورة إلى قصص بعض الأنبياء، كإبراهيم وموسى وإسماعيل وإدريس، مُعزّزةً إيمان المؤمنين وهاديةً للضالين.

خاتمة إيمانية: تُختتم السورة بتأكيد جزاء المتقين ووعيد الكافرين، داعيةً إلى الإيمان والعمل الصالح.


دروسًا وعبرًا من آيات السورة: 

رحمة الله واسعةٌ لا حدود لها: تُظهر السورة كيف يُحيط الله تعالى عباده برحمته وعطفه، ويُخفّف عنهم أحزانهم ويُزيل همومهم.

الابتلاءات رحمةٌ من الله: تُبيّن السورة أن الابتلاءات التي يُصيب بها الله تعالى عباده هي رحمةٌ منه لا عقوبة، لاختبار إيمانهم وصبرهم ورفعة درجاتهم.

الصبر والثقة بالله: تُعلّمنا السورة الصبر والثقة بالله تعالى، فهو لا يُكلف نفسًا إلا وسعها، وهو القادر على تغيير الأحوال من ضيق إلى سعة.

المعجزات دليل على قدرة الله: تُؤكّد السورة على قدرة الله تعالى وعظمته من خلال المعجزات التي يُظهرها لعباده، مثل معجزة هزّ النخلة ومعجزة كلام عيسى في المهد. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بناء العادات

فن التعبير وأداة التواصل

بوصلة الذات