الذات بين الواقع والتواصل
في زمن التواصل المتواصل، يبدو أن الإنسان يُطالَب بالحضور المستمر لا بوصفه ذاته، بل بما يليق بالمكان الذي يظهر فيه. تارةً بشخصية واقعية في حياته اليومية، وتارةً أخرى بشخصية أحب أن أسميها “مُعدّلة” تليق وتناسب لمنصات التواصل.
هذا التكرار في “تبديل الوجوه” قد يُفقد الإنسان ملامحه الأصلية، إذ يصبح مع الوقت عالقًا بين صورتين: واحدة ترتدي قناع الواقعية، والأخرى تتقن التكيّف مع متطلبات الجمهور الرقمي.
مع هذا الانقسام، أرى أن الإنسان يبدأ يفقد ذاته الحقيقية، تلك الذات التي رافقته في صمته، في طفولته، في لحظات وحدته. يصبح وجوده موزّعًا بين شخصيتين، لكلٍ منهما توجه خاص، وصوت خاص، وحتى رغبات مختلفة.
التوازن هنا ليس خيارًا، بل ضرورة. لا أدعو للانسحاب الكامل، ولا للذوبان الكامل، بل للسيطرة. أن نكون حاضرين بوعي، لا بمجاراة. أن نُظهر شيئًا من ذواتنا الحقيقية، لا نسخًا معدّلة منها.
في هذا الواقع الضاغط، على الإنسان أن يسعى ولو قليلاً للقبض على ما تبقّى من ذاته، قبل أن يعتاد الظهور أكثر من الوجود.
تعليقات
إرسال تعليق