الهوية في العصر الرقمي
منذ فجر التاريخ والإنسان كائن باحث عن وجوده، حيث يشكّل لديه هذا البحث سريان حياته بكاملها، ومن خلالها يبدأ محاولاً أن يرسم ويبني لنفسه هوية تشبهه وتليق به، إذْ أن الهوية متقلّبة وليست ثابتة، بطبيعة الحياة وتقلباتها والمعارف والأفكار المستحدثة التي تأتيك في كل ليلة.
إن الثقافة والدين والمكان والتجارب والمعتقدات الشخصية، عامل مهم وكبير في بناء الهوية لدى الإنسان، ومؤثرًا بشكلٍ يجعله يصبح في هوية ويمسي في هويةٍ أخرى، تلك الحياة وخفاياها.
ما ذكرته نابعًا من الزمن القديم وإلى الثورة الكبيرة التي نعيش بها، العصر الرقمي وانفجاره غير المسبوق في وسائل التواصل وحياتنا بشكلٍ خاص، لِما له من تأثيرات تؤثر على طبيعة الحياة اليومية البسيطة التي عاشها من قبلنا، وما زلنا نعيشها، تلك التفاصيل التي تضيف جوهرٍ خاص في حياتنا.
ولكن مع هذا الاضطراب التي نعيش به، يتشكّل لدينا أسئلة كثيرة بسبب التفاصيل التي لا تنتهي، وكأنها مثل دائرةٍ تدور حول نفسها، هذا في الواقع ما يحدث.
ما هي النسخة التي يجب أن نظهرها لهذا الفضاء المتسع، وهل هي حقًا تشبهنا تزامنًا مع الحياة الحقيقية التي نعيشها ؟
في السابق الذين كانوا من قبلنا وعاشوا تلك الفترة التي يغلب عليها الروتين والهوية المتماسكة، تجده مرتبطًا بمحيطه وعلاقاته الاجتماعية والأسرية المحدودة فقط، أما اليوم وفي ظل الوقت الراهن الأمر مختلف تمامًا، الهويات متعددة وكل عالم تواصلي مختلف عن العالم التواصلي الآخر، وذلك مرضٌ وداءٌ كبير في حق أنفسنا.
إننا نفقد أنفسنا دون أن نشعر، إننا لم نعطِ أنفسنا حقا وما تستحقه من اهتمامٍ وحرصٍ وثبات، إننا نعيش في اغتراب الذات دون أن نشعر.
حيث أن التواصل في العصر الرقمي منحنا مساحةٍ دون نهاية في التعبير وإبداء الرأي، وبالرغم من هذه الفرصة والميزة التي نملكها، إلا أننا نعيش في عالم التمثيل دون أن يكون هنالك مساحة لعيش الحقيقة وتمثيلها.
إن الإشكال الحقيقي هو نسيان الإنسان نفسه، نسيان الإنسان الحقيقي خلف الشاشة، وفي نهاية المطاف، الهوية ليست ما نُظهره للعالم فقط، بل ما نعيشه في أعماقنا، وما نبنيه في علاقاتنا الصادقة، وما نتركه من أثر حقيقي يتجاوز لحظة الظهور.
تعليقات
إرسال تعليق