المشاركات

عرض المشاركات من سبتمبر, 2025

لغة الطمأنينة

إن الشعور بالسلام في حياتنا، أصبح ضرورة مستمرة لأجل وضوح الأشياء من حولنا، ولأجل تهذيب النفس وتحسينها عن كل ما يحدث في حياتنا من تفاعلات حياتية يومية نواجهها، ومن ضمن هذه الأشياء التي أُمارسها بشكلٍ مستمر، هي القراءة والكتابة.  إن القراءة والكتابة هي سلامٌ لا يُرى ولا يُلمس، سلامٌ يتسرّب إلى الروح من بين السطور ومن تحت أصابعنا حين نمسك بالقلم. ليس سلام المدن ولا هدوء الطرقات، بل سلام داخليّ يشبه الهمس، يمنحنا القدرة على الاستمرار وسط ضجيج الحياة. حيث أن القراءة ليست مجرد هواية أو وسيلة للمعرفة، بل طريق خفيّ يفتح أبوابًا لم نطرقها يومًا. كل كتاب هو رحلة إلى عوالم أخرى، إلى عقولٍ وأفكار وتجارب لم نعشها لكننا نشعر بها. حين نقرأ، نخرج قليلًا من ضيق اللحظة لنطلّ على أفق أوسع، فنكتشف أن قلقنا ليس أبديًا، وأن أحزاننا ليست وحيدة. أما الكتابة فهي الطريق الموازي، الذي لا يُقلّ شأنًا عن القراءة. إنها البوح الآمن الذي يحرر ما نحمله في داخلنا، دون خوف من حكم الآخرين أو سوء فهمهم. الكتابة تسمح لنا أن نرتب فوضانا الداخلية، أن نحول الأسئلة الثقيلة إلى جُمل، والذكريات الموجعة إلى حروف أخف وزنًا. وك...

حوارات لا تعرف الصمت

الحياة مجموعة من الأحاديث الطويلة التي تقودنا إلى العمق وطرح الأسئلة التي لا تنتهي، قد تكون كلماتنا مع الآخرين، أو حواراتنا الداخلية التي تدور بصوت خافت في عقولنا، هنالك أحاديث عابرة لكنها تبقى بالوجدان والمخيلة مثل غريب  لا نتذكر وجهه لكن تبقى كلماته. الأحاديث هي أساس علاقاتنا ومشاعرنا وحتى على مستوى ذاكرتنا، من خلال الحديث يُبنى ويهدم كل شيء ممكن أن يكون.  قد ينتهي اللقاء ويمرُّ عليه سنوات طويلة لكن تبقى الكلمات حاضرة وكأنها لم تُقل إلا قبل لحظة. حتى في السؤال مع أنفسنا نحن لأحاديثنا وأحاديثنا لنا، نحن أسرى لها، نسائل الماضي، ونعاتب الحاضر، ونفاوض المستقبل. وهذه الحوارات الداخلية هي التي تُشكل قراراتنا وتُوجّه مساراتنا. أجمل ما في الأحاديث أنها لا تخضع للنهاية الحقيقية؛ فهي تستمر معنا، تتحوّل وتتجدد. حديث اليوم قد يصبح قصة الغد، وحديث البارحة قد يكون عزاءنا في لحظة صعبة. إنها الأحاديث التي تُعطي للحياة صوتها، وتجعلها أبعد من مجرد أيام صامتة تمضي.

كيف تصنع الكلمات حياة جديدة ؟

في أيامنا البسيطة التي نعيشها، هنالك تفاصيل صغيرة مُحمّلة في زوايا يومنا، يذوب في الزحام، وبعضها يترك أثرًا لا ننساه. عند الإمعان بها نكتشف أن هذه التفاصيل لم تكن عابرة أو عادية الحضور كما كنا نظن.  الكتابة هي وسيلتنا لنلتقط ما يفلت، لنحفظ ما كاد يتبخر، هي فنٌ للالتقاط للأشياء التي لو تركناها للحظة لذهبت دون أن نعلم. هذه كلها أشياء صغيرة، لكنها في الكتابة تتحول إلى نسيج عميق يحملنا نحو فهم أنفسنا والعالم من حولنا. ما أجمل أن تعيش الشيء دون أن يكون لذاته، بسببٍ حدثًا كبيرًا، أو قراءة مشهد وجب ذلك، بل أن يُنفّذ دون أن يُطلب منك، مثل ابتسامة عابرة نصًا يُقرأ، ومن شعور داخلي فكرة تُلهم، ومن صمتك جملةً تقول ما عجزت عنه. حيث أن الكتابة هنا لا تكون مجرد هواية أو عادة، بل تصبح حياة أخرى موازية، أكثر صفاءً، وأقرب إلى القلب.  وحين نتأمل، نكتشف أن الكتابة ليست فنًا نخاطب به الآخرين فقط، بل هي حوار داخلي صادق نابع من أعماقنا ومن أحاديثنا الداخلية التي لم ننصت لها بعد.  هي المرآة التي نرى فيها وجوهنا كما هي، بلا تزيين ولا مجاملة. هي صوتنا حين نحتاج أن نسمع أنفسنا، ويدنا حين نبحث عن سن...

الهدوء في زمن الفوضى

وسط ضجيج الحياة وصخبها التي لا تهدأ، والذي يجعلك بعيدًا عن ذاتك وعن الهدوء الكبير في داخلك، نكتشف حينها أننا نعيش في عالم لم يعد يعرف الصمت.  كل شيء حولنا يركض بسرعة ودون توقف له ولا يُسمح له بتاتًا الوقوف، وكأن الصمت تهمة يجب محوها بأي صوتٍ عابر، ومع ذلك، يظلّ في داخل كل واحدٍ منّا توقٌ دفين للحظة هدوء، للحظة يلتقي فيها الإنسان بنفسه بعيدًا عن كل ضوضاء. الهدوء ليس لمجرد الهدوء لذاته، بل هو حالة وعي، حالة صافية تنسجم النفس مع ذاتها، حيث التناغم الكبير الذي يحدث بين القلب والعقل، ويتنفس المرء بعمقٍ كأنه يعود إلى ذاته من جديد،  تلك اللحظة التي يتوقّف فيها الزمن قليلًا، فنسمع أنفاسنا، ونبصر تفاصيل كنا نغفلها، ونشعر أنّ للحياة وزنًا ومعنى. إن غالبية الفوضى التي بداخلنا هي نابعة من أفكارٌ متراكمة، قلقٌ من المستقبل، عدم توازن الحاضر، الهروب من الماضي، تردّد بين القرارات التي تخطط لها، شعور بأننا نلاحق كل شيء ولا نمسك بشيء. هذه الفوضى الخفية هي الأشد إنهاكًا، لأنها تلتهم صفاءنا دون أن نشعر. الهدوء في زمن الفوضى ليس خيارًا عابرًا، بل أسلوب حياة. هو التوازن الذي يمنحنا القوة لنعيش وسط ...