الأدب والكتابة كفعل وجودي

إن ممارسة الكتابة بمفهومها العام ليس بالضرورة أن من يُمارس هذه العادة أن يكون كاتبًا كما يسمى أبن هذه المهنة، وعلى وزن هذا الاعتقاد أن ليس كل من يتنفس حيًّا، الكتابة ليست حرفةً لغوية، بل حالة وجودية خالصة.

هي تلك اللحظة التي يدرك فيها الإنسان أنه كائن عابر في هذا الكون، فيحاول أن يترك أثرًا، أن يقول: كنتُ هنا، وفكّرتُ، وتألمتُ، وأحببتُ، وكتبت.

كل حرف يُكتب هو مقاومة ضد العدم، ضد ما هو يُعمل سلبًا تجاهك، وعلى الصعيد الآخر كل جملةٍ صادقة هي محاولة لانتزاع لحظة وعيٍ من فم الزمن.

وحين يكتب الإنسان، لا يدوّن فقط ما يحدث حوله، بل يخلق ما لم يحدث بعد.

الكتابة بهذا المعنى ليست نشاطًا ثقافيًا فحسب، بل فعل وجودي يُثبت من خلاله الكاتب ذاته في العالم.

ثمة كُتّاب يكتبون لأن الكتابة مهارة، وثمة آخرون يكتبون لأنهم لا يستطيعون العيش دونها، وهذه هي الكتابة بعينها وبمفهومها الواسع الذي أسميه ( الجميل ) 

الفئة الثانية هي التي تصنع الأدب الحقيقي.

فالكاتب الذي يكتب ليمرّر الوقت، يكتب نصوصًا ميتة، بينما من يكتب لأنه يختنق، يولد في كل جملة.

الكتابة ليست رفاهية فكرية، بل طوق نجاة، ومحاولة البحث عن معنى وجودي من خلاله يطمئن الإنسان  ولو هذا صعبًا في هذا الزمن. 

هي الوسيلة التي يحاول بها الإنسان أن يتوازن بين ما يشعر به وما يعيشه، بين ما يريد قوله وما لا يستطيع أن يقوله.

ولأن الحياة أوسع من أن تُحتمل أحيانًا، تصبح الورقة المكان الوحيد الذي يمكننا أن نواجه فيه أنفسنا بصدقٍ دون خوفٍ من الأحكام.

الكتابة ليست وصفًا لما هو موجود، بل بحثٌ عمّا كان ينبغي أن يكون.

إنها رحلة نحو أعماق الذات، لاكتشاف الجزء الخفي الذي نحاول تجاهله، والذي لا يمكنك ذلك مهما فعلت من خطوات نحو ذلك. 

الكاتب في جوهره ليس مفسّرًا للعالم، بل سائلٌ أبديّ يلاحق المعنى، ويحاول الإمساك بالجوهر من خلال اللغة.

وحين يُكتب النص الأدبي بصدق، يتحول إلى مرآةٍ يرى فيها القارئ ذاته، والعالم من حوله، الأدب إنه تفسير وتدوين مشهد الحياة من خلال الكتابة. 

فالأدب لا يقدّم حلولًا جوهرية تساعد الإنسان أو ينتفع من خلالها، بقدر ما يقدّم أسئلة جديدة، تلك الأسئلة التي تجعل الإنسان أكثر وعيًا بوجوده، وأكثر قربًا من ذاته الحقيقية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بوصلة الذات

فن التعبير وأداة التواصل

المثابرة طريق النجاح