التأمل في الزمن
لم يكن الزمن يومًا كما تخيلناه في طفولتنا؛ لم يكن خطًّا مستقيمًا يمتدّ من ماضٍ نعرفه إلى مستقبل ننتظره. بل هو أسلوبًا وحكايةً غامضة، نعيش بها ولا نعرف مدى معرفتها، ومدى غايتها. الزمن هو نهرٌ خفيّ، لا نراه، لكننا نشعر بجريانه داخلنا. يمرّ بنا، ويترك فينا علاماتٍ لا تُرى، ويغيّر ملامحنا بصمتٍ لا يُسمع. حين كنّا صغارًا، كُنّا نعدّ الأيام على أصابعنا، ننتظر الغد بشغف، ونكتب له سيناريو خاصًّا به لنقوم بتنفيذه، ونعيش في حكايته، ونشعر بجماله، هكذا كنا نكتب الزمن القادم إلينا، حيث كن نحسب العطلات والأعياد كأنها جوائز معلّقة في الأفق، كان الزمن واسعًا، والأيام طويلة، والساعات لا تنقضي إلا ببطءٍ يشبه الأبد. كأن الطفولة تمنح الأيام جناحين من هواء، لا من لهاث. لكننا كبرنا، والأحداث كثيرةً من حولنا، وبدأ الزمن يتبدّل في أعيننا، صارت السنوات تمرّ وكأنها لحظات، وصار الماضي قريبًا، حتى ليخيل إلينا أنه حدث بالأمس. نلتفت خلفنا فنجد العمر قد عبر بنا بخفة، دون أن يستأذن، ودون أن نشعر أننا كنّا في المنتصف. الزمن لا يُقاس بالتقويمات ولا الأرقام، بل بالتجارب والعيش فيها، والأخذ بها من إدراكًا للحياة ومع...