الكتابة كفعل نجاة
في هذا الضجيج الطويل والممتد من شاشات الأجهزة إلى ازدحام الفكرة، تصبح الكتابة ليست مجرد وسيلة للتعبير، بل طوق نجاة نلقي به لأنفسنا قبل أن نلقيه للعالم، نكتب لنعلم ونتيقّن أن الكتابة فعلُ نجاة، ومهربٍ وآمن، لا يضرُّ ولا يندمُ المرء بالاحتفاء بها، هذه هي الكتابة.
نكتب لا لنعلم، بل لنفهم كل شيء حولنا، وكل شيء يمكن لنا أن نعرفه، تلك جوهرة الكتابة.
نكتب لا لنُعلّم، بل لنتصالح مع أجزاء مبعثرة في دواخلنا، نكتب لنعلم أن الكتابة هي الحل والجواب، في هذه الأسئلة التي تحيط بنا.
الكتابة فعلُ إعادة تشكيل. نأخذ الألم ونعيش به بالحروف، نأخذ من الذكرى مهربًا، ومن الحنين نافذة، ومن الغضب حوارًا مؤجلًا على ورقٍ يُطال به الانصات إليه.
حين نكتب، نُمارس حقّنا في الانصات، في التأمل، في الخروج من نسق السرعة الذي يفرضه العالم.
في زمن التشتت، تصبح الكتابة فعل مقاومة.
أن تُنصت لداخلك، أن تمنح الفكرة وقتها لتنضج، أن تعود للنص كأنك تعود لوطنٍ مؤقت، هذا كله فعلٌ من أفعال البقاء.
لا أعرف كيف ينجو الذين لا يكتبون. ربما وجدوا وسائلهم، لكننا نحن الذي نعيش هذا الشعور التي تمنحها الكتابة لنا، حتى وإن لم نُنشر نعرف أن الحبر ليس زينة، بل وسيلة حياة، ومع الاعتياد على ذلك والإيمان بفكرتها تصبح الكتابة ليست ترفًا، بل ضرورة.
أكتب. حتى وإن بدا النص ضعيفًا، أو ناقصًا، أو غامضًا. اكتب، لأنك حين تفعل، تُمسك بطرف الخيط من ذاتك وتمنحها فرصة أخرى للترميم.
تعليقات
إرسال تعليق