في معنى النجاة

ليست النجاة دائمًا فعلٌ خارق يتطلّب الشقاء من أجلهِ، أو إنقاذًا بطوليًا يغيّر مجرى الحياة في لحظة، النجاة هي الإيمان بفكرتك وسط الأفكار الكثيرة التي تحيط بك، أن تعيش مع المحاولة وكأنها النجاة. 

ليست كل نجاة صاخبة، بل أحيانًا تكون النجاة بشكلٍ أكثر هدوءًا وأكثر راحةً واتزانًا، بين صفحات دفتر، بصوت حبرٍ جاف، لا يسمعه أحد.

الناس لا يرون كل ما نحمله. لا يعرفون كم مرة بلعنا كلماتنا حتى لا نجرح، ولا كم مرة ابتسمنا في وجه الألم كي لا ينهار مَن حولنا. في لحظة ما، يصبح التعب أكبر من قدرتنا على شرحه، فنلجأ للكتابة.

الدفتر لا يُقاطع، ولا يُصحّح، لا يُصغر من وجعك، لا يُقارنك بغيرك. الدفتر يحتمل. ولهذا نكتب.

نكتب حين تتعب الروح من التفسير، وحين لا يعود الكلام مجديًا، وحين نبحث عن ضوء في نفق لا نرى نهايته. نكتب لا لنُخبر أحدًا، بل لنُنقذ أنفسنا من أنفسنا.

في كل صفحة نكتبها، نحن نرمي عبئًا ما. قد يكون حزنًا قديمًا، أو شخصًا لا زال يسكننا، أو خيبة لم نُعطِها حقها من الحزن. الكلمات تُشبه الماء، تغسل، تُخفّف، تُنعش.

نحن لا ننجو دائمًا بالناس. أحيانًا الناس هم ما يجعلوننا نكتب. لا كُرهًا، بل لأن في داخلنا كلامًا لا يصلح أن يُقال، لكنه لا يحتمل البقاء.

الكتابة ليست مهارة فقط، بل غريزة بقاء. وللكثيرين، كانت فعل نجاة حقيقي، صامد، مخلص. في دفتر قديم، تحت وسادة، أو في ملاحظات الجوال، هناك بقايا أرواح تعلّقت بالكلمات حين لم تجد يدًا تُمسك بها.

فاكتب… لا لتُصبح كاتبًا، بل لأن الكتابة بيت. لأن الدفتر وطن صغير نلجأ إليه حين تضيق الأرض. واكتب لأنك تستحق أن تنجو.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بناء العادات

بوصلة الذات

فن التعبير وأداة التواصل