فلسفة الوداع
الوداع أحد اللحظات التي تبقى عالقةٌ بي لساعاتٍ وأيامٍ طوال، يصل الأمر هذا المشهد الذي أراه عابر بحياتنا الطويلة بكل أفراحها ومآسيها وضحكاتها وبكائها أيضًا، أرى أن مشهد الوداع ليس مجرد مشهد عابر أو لحظة عابرة، بل هو تجربة وجودية تعيش في أعماقنا، بل هو مجموعة أسئلة تُطرح وتُناقش أثناء حلوله، أسئلة النفس ومعركة العقل والقلب، تريد أن ترى ماهية حدوث وتقبل الأمر مستقبلاً، الكثير من الأفكار والعودة إلى اللحظات السعيدة والحزينة التي عشت بها، سواءً من شخص أو مكان غادرته، الكثير من الأشياء تحدث لي لحظة واحدة.
إنه موقف يتجسّد به لحظات الفقد والمغادرة، وكأن شيء منك يغادر جسدك، هذا ما يحدث مع لحظات الوداع.
ولو قرأنا المشهد من ناحية فلسفية ونفسية، الإنسان كائن متعلقٌ للأشياء التي عاش بها، وكثير منا لربما عاش هذا الموقف، موقف التعلق بالأشياء التي مارسها سواءً في العلاقات أو مغادرة المدينة التي عشت بها، وهنالك الكثير من الأشياء التي يمكن لنا أن نذكرها، لنطرح مثالاً للوداع.
فالإنسان يربط أشياءه وكثير من تفاصيل حياته، في الأماكن، والأشخاص، وحتى الذكريات. تجده رابطًا بها، وهنا يبين فكرة الإنسان المتعلق بالأشياء، مع إدراكه أنه سوف يغادر ذلك الشيء، ولكنه متعلقٌ رغمًا عنه، متجنبًا لكل الإدراكات التي سوف تحيط به أثناء حلول الوداع، حيث أن كل وداع هو صدام بين مشاعر الحنين وإدراك أن كل شيء في الحياة مؤقت، وأن الفراق جزء من الوجود ذاته.
الإنسان يرى نفسه في كثيرًا من المواقف التي يدخل بها أنه كائن قوي ويمكنه التحكم في تصرفاته، ولكن في كثير من المواقف التي يشهدها يتطلب منه مغادرة فكرة القوة الذاتية، وتقبل فكرة الهشاشة الذاتية أو بمعنى آخر الضعف الذاتي والإنصات إلى المشاعر التي لا بد من الإنصات لها وتقبلها ومناقشتها أيضًا.
حيث أن هذه الهشاشة ليست ضعفًا، بل هي ما يجعل العلاقات ذات قيمة. لو لم يكن هناك وداع، لما كان هناك تقدير للحظات التي نقضيها مع من نحب. ولولا إدراكنا بإمكانية الفقد، لما شعرنا بأهمية الأشياء والأشخاص في حياتنا.
غالبًا ما ننظر إلى الوداع على أنه نهاية، لكنه في الحقيقة نقطة تحوّل. كل وداع يترك فينا أثرًا، ويدفعنا إلى إعادة تشكيل أنفسنا. قد نخرج منه أضعف، نحمل جراحًا عميقة، وقد نخرج أقوى، أكثر نضجًا ووعيًا.
ربما يكون الوداع مؤلمًا، لكنه في النهاية جزء من الرحلة، ونحن، مهما رحل عنّا الآخرون، نبقى مستمرين، نحمل في داخلنا آثار كل من ودّعناهم، ونمضي، محمّلين بالحكايات التي تركوها في قلوبنا.
تعليقات
إرسال تعليق