المشاركات

بوصلة الذات

في زحمة الأيام، وكثرة الانشغالات، وتسارع وتيرة الحياة المرعب الذي لا يجعلك في موقفًا تستمع به لذاتك، تضيع أحيانًا أكثر الأشياء عمقًا فينا. نمضي كمن يسير على عجل، نخوض التجارب، نلاحق الأهداف، ونبحث عن الرضا في أعين الآخرين، بينما نصمّ آذاننا عن أصدق صوت في داخلنا، هو صوتنا الداخلي الذي أراه هو البوصلة لذاتك، وهو الدليل في داخلك حين تضيع.  ذلك الصوت الهادئ والحدس، الذي لا يُجامل ولا يترك محلاً لذلك، هو لا يعلو ولا يصخب، لكنه حاضر دومًا، ينتظر فقط أن نجلس مع أنفسنا بصدق لنسمعه. في عالم يُعلّمك كيف تُرضي الآخرين، لكنه نادرًا ما يُعلّمك كيف ترضى عن نفسك، يصبح صوتك الداخلي دليلك الوحيد في طريق العودة إليك. بين كل فكرة وأخرى، وبين كل لحظة اختيار، يوجد ذلك الصوت الخافت، يرشدك لا بدافع المصلحة، بل بدافع الحقيقة. لكن لا بد أن تمنحه الفرص، أن تصغي إلي، أن تحترمه، حتى لو خالف ما يقوله الجميع. في كل تجربة تمرّ بها، في كل خطأ ترتكبه، في كل ندمٍ يوقظك، هناك رسالة، وهناك فرصة للنضج. فلا شيء يُعدّ ضياعًا حين تكون على صلة حقيقية بذاتك، ولا وقت يُهدر، ما دمت تتعلّم من صوتك، لا من ضجيج الآخرين.

صناعة العادات

 إن العادات مثل الأسرار الخفية التي تعيش في الإنسان، وهي أشياء نغفل عنها، حيث هي من تشكّل أسلوبنا سواءً في العمل أو حتى في الحياة العادية وممارستها، وطريقتنا في التفكير وحتى  الرؤية التي تنظر بها للعالم يأتي من خلالِها، فهي أشياء تُبنى حتى تتشكل فكرة في ذهنك، أو سلوكيات تفعلها في يومك.  ما نفعله هو انعكاس لهويتنا، سواءً ممارسة شيء تحبه أو بناء عادة صحية، أو حتى على الصعيد السلبي من عادات وسلوكيات تؤثر على مستوى جودة حياتك. ولكن يأتي هو كيف نبني تلك العادة، وماهية حضورها في حياتنا ؟  العادات هي المحرك الخفي لحياتنا، تشكّل هويتنا، وتحدد مسار نجاحنا أو تعثرنا. ما نفعله يوميًا ليس مجرد أفعال عشوائية، بل هو انعكاس لشخصيتنا وطريقة تفكيرنا.  لا تبرز أهمية العادات في لحظتها، بل في قوتها التراكمية. قد تبدو العادة الصغيرة غير مؤثرة في البداية، لكن تكرارها بانتظام يصنع فارقًا هائلًا، إن النجاح ليس وليد الإنجازات المفاجئة، بل هو نتيجة تحسينات صغيرة ومتراكمة باستمرار. لكن كيف نبني العادات الإيجابية؟ السر يكمن في البدء بخطوات صغيرة ومستمرة، لأن التغيير الجذري السريع غالبًا ما...

قوة التقبل

السعادة ليست حالة ثابتة، بل هي قدرة على التكيُّف مع الحياة بكل ما تحمله من  تحديات، كثير من العوام يجدون صعوبة في التعامل مع التغيرات والمواقف غير المتوقعة، لأنهم لم يتعلموا فن التقبّل، وهو مهارة تُمكّن الإنسان من مواجهة الواقع بمرونة وتوازن، دون إنكار أو مقاومة غير مجدية. التقبّل يعني القدرة على التعامل مع الأمور كما هي، دون تعديلها لتناسب رغباتنا أو تصوراتنا المثالية وهو أمر صعب، لأنه يتطلب الوعي والتصالح مع الذات والظروف.، عندما ندرك أن الصراع مع الواقع لا يغيره، بل يستنزفنا، نصبح أكثر استعدادًا لتقبّل الأحداث كما هي، والعمل على تحسينها بدلاً من الإنكار أو المقاومة المستمرة. إذا لم تتقبّل ذاتك، فلن تستطيع تقبّل الآخرين أو التغيرات التي تطرأ على حياتك. قبول الذات لا يعني الاستسلام للعيوب أو التوقف عن التطور، بل يعني التصالح مع النفس، وفهم نقاط القوة والضعف، والعمل على تحسين الذات دون جلد أو إنكار. عندما تصل إلى هذا المستوى من التصالح، يصبح التعامل مع الآخرين والمواقف العصيبة أكثر سهولة. التقبّل ليس مجرد مفهوم نظري، بل ممارسة يومية تحتاج إلى جهد ووقت. أن تتقبّل نفسك والآخرين والأح...

الفلسفة والحياة اليومية

كثيرًا ما يُنظر إلى الفلسفة على أنها تخصّ الأكاديميين والمفكرين فقط، لكنها في الحقيقة، تعيش معنا في كل تفاصيلنا التي لا نشعر حيث أنها تحيط بنا في كل لحظة من حياتنا اليومية. كما أننا  نمارسها دون أن نشعر عندما نتخذ قرارات أخلاقية، أو نتساءل عن معنى السعادة، أو نحاول فهم أنفسنا والآخرين، وفهم ما حولنا والانصات للأشياء التي حولك، كل ذلك هو ممارسة للفلسفة، فالفلسفة ليست مجرد نظريات مجردة، خالية من الطريقة العلمية التي تساعد على بناء العالم وتطويره، بل هي أداة قوية تساعدنا على التفكير النقدي، وتحليل الواقع، واتخاذ قرارات أكثر منطقية.  حتى في الخيارات التي نختارها في حياتنا، التي تُبنى على النفعية من خلال تقييمات ومبادئ تمضي عليها، هذه مأخوذة من فلسفة النفعية، وفي الفلسفة الكانطية كما هو معلومٌ أنها الأخلاقية، عندما تسأل ما هو الدور الأخلاقي أو الواجب من خلال اتخاذي للموقف أو الفكرة التي تؤمن بها.   في الفلسفة المنطقية تعلمك كيفية التمييز بين الحجج والأفكار والمواقف، وماهية المغالطات التي يتلبسها.  ومن خلال فكرة ومقولة سقراط الشهيرة : “اعرف نفسك”، وهذا المبدأ الفلسفي لا يز...

فلسفة الوداع

الوداع أحد اللحظات التي تبقى عالقةٌ بي لساعاتٍ وأيامٍ طوال، يصل الأمر هذا المشهد الذي أراه عابر بحياتنا الطويلة بكل أفراحها ومآسيها وضحكاتها وبكائها أيضًا، أرى أن مشهد الوداع ليس مجرد مشهد عابر أو لحظة عابرة، بل هو تجربة وجودية تعيش في أعماقنا، بل هو مجموعة أسئلة تُطرح وتُناقش أثناء حلوله، أسئلة النفس ومعركة العقل والقلب، تريد أن ترى ماهية حدوث وتقبل الأمر مستقبلاً، الكثير من الأفكار والعودة إلى اللحظات السعيدة والحزينة التي عشت بها، سواءً من شخص أو مكان غادرته، الكثير من الأشياء تحدث لي لحظة واحدة.  إنه موقف يتجسّد به لحظات الفقد والمغادرة، وكأن شيء منك يغادر جسدك، هذا ما يحدث مع لحظات الوداع.  ولو قرأنا المشهد من ناحية فلسفية ونفسية، الإنسان كائن متعلقٌ للأشياء التي عاش بها، وكثير منا لربما عاش هذا الموقف، موقف التعلق بالأشياء التي مارسها سواءً في العلاقات أو مغادرة المدينة التي عشت بها، وهنالك الكثير من الأشياء التي يمكن لنا أن نذكرها، لنطرح مثالاً للوداع. فالإنسان يربط أشياءه وكثير من تفاصيل حياته، في الأماكن، والأشخاص، وحتى الذكريات. تجده رابطًا بها، وهنا يبين فكرة الإنسا...

فلسفة الصيام

الصيام بمعناه الديني والشعوري، هو تجربةٌ روحية وأخلاقية تعيد علاقة الإنسان مع نفسه ورغباته، وبين جسده وروحه، وتشكل تلك العلاقة لتعيد تأسيسها منذ بدايتها، بل هو محاولة للتأمل في طبيعة الإنسان وحاجاته الحقيقية.  حيث أن الصيام فلسفته هو ترتيب العلاقة بين الإنسان وذاته، من خلال سلوكيات قادرًا عن الامتناع عن الطعام والشراب واستجابة غرائزه التي معتادًا على حضورها الدائم في حياته.  فهي تعزز لديك جانب الحرية الشخصية والحياتية التي من خلالها تكون متحكمًا في قرارتك وتصرفاتك، قادرًا على كبح غرائزه وتوجيه إرادته وفق ما يختار على عكس ما تختار ذاته وحاجاته.  وفي جانب آخر الصيام يعزز لديك شكر النعم التي لديك، ولن تعرف قيمتها إلا حين فقدها، من خلال الصيام تشعر بقيمة الشراب والطعام، وهذه الأشياء تجعلنا نشعر بتجربة النقص ووعيها،  إنه درس وجودي يعلمنا أن كل ما نملك ليس أمرًا مسلمًا به، بل هو نعمة تستحق الشكر والتقدير. يتيح الصيام في محاولة اكتشاف عوالم أعمق لم تكن معتادًا عليها دون الصيام، حيث تجلّي البعد الروحي للإنسان، فهو محاولة تطهير للإنسان وتطهير أفكاره والصفاء الذهني الذي يملؤها...

ذكرى المجد وبداية المسيرة

نستذكر في هذا اليوم التاريخي العظيم الذي مخلد في ذاكرتنا، وهو اليوم الذي يعيد بنا إلى جذور الماضي وبناء المستقبل، يوم التأسيس ليس مجرد ذكرى تاريخية عابرة، بل هو احتفاء بجذور الدولة السعودية وعمقها التاريخي الممتد لأكثر من ثلاثة قرون، والذي يضرب صداها في كل أنحاء العالم منذ نشأتها. ففي 22 فبراير من كل عام، نستذكر بكل فخر اللحظة التي وضع فيها الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- اللبنة الأولى لتأسيس الدولة السعودية الأولى عام 1727م، ليبدأ عهد جديد من الاستقرار والوحدة في قلب الجزيرة العربية، منذ هذا التاريخ والجزيرة العربية يتغيُّر ملامحها في كل يوم، بفضل الله ثم بفضل هذا العملاق اسمه المملكة العربية السعودية.  حيث في هذا اليوم يحمل بين طياته معاني العزيمة والإصرار، التي وجدت في قادتنا وشعبنا الباسل العظيم، حيث لم يكن تأسيس الدولة السعودية مجرد حدث عابر، بل كان انطلاقة لمسيرة طويلة من البناء والتوحيد والإصرار والعزيمة لبناء دولة يشهد فضلها وقوتها كل من في هذا العالم، حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم من نهضة وازدهار. إنه يوم نستعيد فيه أمجاد أجدادنا، ونستلهم من تاريخهم دروس القوة والصبر والطم...