كيف نعيش سعداء بالفكر الرواقي؟
منذ أكثر من ألفي عام، وُلدت الرواقية في أروقة أثينا، في الوقت آنذاك بدأت هذه الفكرة أو الفلسفة المختلفة عن بقية الفلسفات والأفكار الأخرى، حيث الولادة التي أتت من العلم القليل والفكر المحدود، لكنها لم تبقَ حبيسة الكتب، بل صارت منهجًا عمليًا لحياة متزنة وهادئة. الفلسفة الرواقية، التي وضع أسسها زينون وخلّدها فلاسفة كماركوس أوريليوس وسينيكا، لم تكن معنية بالتجريدات أو المجادلات، بل بالعيش بسلام داخلي وسط عالم مضطرب. بل أن جوهرها بسيط وعميق، وله دلالات مشيرة إلى حياتنا اليومية العادية.
ومن الأسئلة القديمة التي كانت تُطرح في وقت نشأتها وتداولها بين العوام، وهو العنوان الذي انطلقت منه لكتابة هذه الحكاية كيف نعيش سعداء بالفكر الرواقي؟
تأتي الإجابة في هذا السياق، أنه لا يُمكن أن تعد المرء بحياةٍ خالية من الألم، بل أن تدله على تلك المفاتيح لعيش الحياة كما هي، دون أن تنكسر أرواحنا تحت وطأة ظروفها.
وفي هذه الفلسفة هنالك الكثير من الأفكار بها والتعليمات التي من الممكن أن ترشدك في حياتك وتقودك إلى أشياء وطرق كانت أكثر منفعةً وصوابًا لك، بعد أن كنت مغيّبًا عنها.
حيث أن الفكر الرواقي يعلّمنا أن نُفرّق بين ما نملك السيطرة عليه مثل أفكارنا أو ردود أفعالنا وحتى نوايانا، وما لا نملك السيطرة عليه كالمرض، تقلبات الحياة، أو سلوك الآخرين. ومن هنا تنشأ الحرية الحقيقية: أن نُحسن اختيار ردّ فعلنا، مهما كانت الفوضى من حولنا.
أن نكون أكثر تحكمًا بأنفسنا وأن يكون هنالك طريقًا نمضي من خلاله، دون الإخلال بالعوامل الخارجية من حولنا.
الرواقي لا يطارد اللذة، ولا يهاب الحزن، لأنه يعرف أن السعادة الحقيقية تكمن في الاستقرار الداخلي، وفي العيش بفضيلة.
أن تعيش بالرواقية، هو أن تعيش بسلام مع نفسك، حتى حين لا تكون الظروف مثالية، أو حتى عكس ذلك، مع أن النظر إلى ذلك مستحيلاً في نظر كثير من الناس، وهذا شيء طبيعي، لكن الفلسفة الرواقية هو أن تتعلم كيف تكون ثابتًا حين يتقلب كل شيء. وفي زمن تتسارع فيه المتغيرات وتتراكم الضغوط، تبدو الرواقية أكثر من مجرد فلسفة قديمة؛ إنها ضرورة حديثة.
في عالم يضجّ بالصراعات والضغوط اليومية، يبحث الإنسان عن السعادة كمن يبحث عن ماء في صحراء. لكن ماذا لو كانت السعادة لا تكمن في ما يحدث لنا، بل في كيف نفكّر فيما يحدث؟ هذا بالضبط ما تقوله الفلسفة الرواقية.
يعلمنا الفكر الرواقي أن نُميّز بين ما نستطيع تغييره وما لا نستطيع. آراؤنا، قراراتنا، نوايانا… هذه أمور نملكها، وعلينا أن نستثمر جهدنا فيها.
أما دون ذلك الذي لا يمكن لنا أن نغيره في تقلبات الحياة ومستجداتها الذي ليس لنا بها حول ولا قوة، حيث أن تلك هي خارج إرادتنا، ومن الحكمة ألا نُهدر طاقتنا في مقاومتها.
ولأن الإنسان الرواقي لا ينتظر السعادة من الخارج، فهو لا يرتبط بلذّة زائلة ولا يخضع لمزاج الآخرين. سعادته مبنية على فضيلة داخلية: أن يكون حكيمًا، عادلًا، شجاعًا، ومتزنًا. هو لا يطارد الكمال، بل يسعى لأن يكون أفضل نسخة من نفسه، يومًا بعد يوم.
الفكر الرواقي لا يعدك بحياة خالية من الألم، بل يمنحك أدوات لتتجاوزه.
إن عِشنا بالرواقية، صرنا أهدأ، أعمق، وأقرب إلى أنفسنا الحقيقية. والسعادة – كما يراها الرواقيون – ليست نوبة ضحك، بل طمأنينة دائمة تنبع من الداخل، لا تهزّها تقلبات الخارج.
تعليقات
إرسال تعليق